center]مقاتل في حرب القرم[right]
وفي عام 1853 وعمره خمسة وعشرون عاماً تطوّع تولستوي في الجيش الروسي العامل في منطقة القوقاز واشترك في حرب القرم،في الفترة بين عامي1853و1856.وأظهر شجاعة فائقة في معركة عُرفت باسم معركة(سيفا ستوبول).وعلى الرغم من شجاعته كره تولستوي الحروب،وكره تشبيه قادة الحروب بالأبطال،وقد كتب قصة(القوزاق) عام 1863،واصفاً فيها تجربته أثناء المعارك الحربية.
وبعد أن ترك الجيش،سافر في رحلات عدّة إلى غرب أوروبا عكف فيها على تعلّم أساليب التدريس وطرق التربية.حيث أنه أُعجب بطرق التدريس هناك ولما عاد لمسقط رأسه بدأ في تطبيق النظريات التربوية التقدمية التي عرفها،وذلك بأن فتح مدرسة خاصة لأبناء المزارعين وأنشأ مجلة تربوية تُدعى( ياسيانا بوليانا) شرح فيها أفكاره التربوية ونشرها بين الناس.
[center]الهدف من الحياة[right]
تعمّق تولستوي في القراءات الدينية،وقاوم الكنيسة الأرثوذكسيةفي روسيا،ودعا إلى السلام وعدم الإستغلال،وعارض القوة والعنف في شتّى صورهما،وام تقبل الكنيسة آراء تولستوي التي انتشرت بسرعة،فكفّرته وأبعدته عنها.وأُعجِب بآرائه عدد كبير من الناس وكانوا يزورونه في مقره بعد أن عاش حياة المزارعين البسطاء،تاركا عائلته الثرية المترفة.فقد كان السؤال الذي يؤرقه باستمرار:ماالهدف من حياة الإنسان ؟وطفق يبحث في طباع البشر،فوجد أن كل شيء في الكون ينمو ويتطوّر ويسعى إلى تحقيق غاية كلية،قد لا تدركها العقول إلاّ بعد حين،واستنتج أن الهدف من الحياة،إذن هو ((العمل الدؤوب لتوفير كل المؤهلات التي تتيح لهذا التطور الشامل أن يُحقّق غايته)).وأيقن أن ذلك لا يمكن أن يتم إلاّ بالجدّية المطلقة والنظام الصارم،حيث قال في رسالة إلى أحد أصدقائه
على المرء إذا أراد أن يعيش بشرف وكرامة أن يتمتّع بقوة،وأن يُصارع كل المثبطات،فإذا أخطأ بدأ من جديد،وكلّما خسر عاود الكفاح من جديد،موقِناص أن الخلود إلى الراحة إنما هو دناءة روحية وسقوط).
وكان يبكّت نفسه يشدّة إذا أحسّ منها تهاوناً أو تراجعاً.قال في مذكراته،وهو في العشرين من عمره
لم أفعل شيئاً،كم يعذّبني ويرعبني إدراكي كسلي.إن الحياة مع الندم محض عذاب،سأقتل نفسي إذا مرّت عليّ ثلاثة أيام أخرى من دون أن أقوم بفعل شيء ينفع الناس).
وكبر الفتى وكبرت معه آلامه،لقد انتقلت إليه ملكية أراض شاسعة وفيرة الإنتاج،وكان ينظر إلى الفلاحين يكدحون في أرضه كي يزداد ثراء،أما هم فلا ينالون ما يسد الرمقويبقيهم أرقاء،وينظر إلى المرأة الريفية(تولد وتموت من دون أن ترى شيئاً أو تسمع شيئاً).ورويداً..رويداً،راح ينسحب من حياة أسرته،وحياة أمثاله من ذوي الثراء.ولِمَ لا يفعل وهو يرى في كل يوم،عندما يخرج من بيته جمهرة من المتسولين بملابسهم الرّثّة،يمدّون إليه أيديهم،فلا يُبالي بهم،بل يمتطي صهوة حصانه،وينطلق مسرعاص كأنه لم يرَ شيئاً،ويخاطب نفسه
إن أي فلاح بسيط من العبيد الذين يعملون في أرضك يستطيع أن يصرخ في وجهك.إنك تقول شيئاً وتقول نقيضه.فكيف تطيق ذلك؟).وأخذ ينشر المقالات داعياً إلى المساواة بين الناس ،وبلغ عدد ما كتب عشرةآلاف رسالة،حتى لُقّب(محامي مئة مليون من الفلاحين الروس)،وسمّاه الأميركيون(المواطن العالمي)،وامتلأت زوجته رعباً من أن تجرفه أفكاره المثالية بعيداً،فيوزع ممتلكاته على العاملين فيها ،فقالت له مهددة
يبدو أن حياتنا تسير إلى قطيعة مؤكدة.ليكن..فأنا وأنت على تنافر دائم منذ التقينا...أتريد أن تقتلني وتقتل أولادك بمقالاتكهذه؟ لن أسمح لكبذلك).ولم يكن تولستوي لراغباً في أن تصل الأمور إلى هذا الحد