هناك عبارة تقول: "القانون لا يحمي المغفلين" والمغفلون في نظر الناس والقانون هم الأبرياء الذين لم تتلون عواطفهم بالحقد والكره والإنتقام والشرور الأخرى، والذين يعتقدون، عن قناعة، أن الدنيا لا تزال بخير مهما تعرضوا للإيذاء والظلم والقهر والتشهير. إنهم يستمدون قوتهم على الإستمرار من إيمانهم العميق بقدرة الله وفضيلة الأخلاق، فتراهم يتعذبون في صمت وبدون ضجة أو شكوى، وهم معرضون أكثر من غيرهم لأمراض القلب والسكري والضغط والكآبة، وكذلك الموت المبكر. ولعل قصة "المغفلة" لأنطوان تشيكوف تلخص كل هذه المعاني في أسطر قليلة، وتبدأ القصة على لسان أحدهم الذي يقول: ((منذ أيام دعوت إلى مكتبي مربية أولادي يوليا لكي أدفع لها حسابها، قلت لها إجلسي يا يولياهيا نتحاسب، أنت في الغالب في حاجة إلى النقود، ولكنك خجلى إلى درجة أنك لن تطلبيها بنفسك، حسناً، لقد إتفقنا على أن أدفع لك ثلاثين روبلاً في الشهر. قالت بصوت لا يكاد يسمع: "أربعون" إعترضت قائلاً: كلا ثلاثون هذا مسجل عندي، كنت دائماً أدفع للمربيات ثلاثين، حسناً وقد عملت لدي شهرين، قالت بصوتها الهامس: وخمسة أيام. عارضت: كلا عملت شهرين بالضبط، هكذا مسجل عندي. إذن تستحقين ستين روبلاً، تخصم منها تسعة أيام أحد، لأنك لم تعملي في أيام الأحد، بل كنت تتنزهين مع الولد فقط، ثم ثلاثة أيام أعياد، إذن المجموع إثنا عشر روبلاً، وكان الولد مريضاً أربعة أيام ولم تكن هناك دروس، كنت تدرسين البنت فقط، وثلاثة أيام كانت أسنانك تؤلمك فسمحت لك زوجتي بعدم التدريس مساءً، إذن مخصوم منك واحداً وأربعون روبلاً بالضبط. إحمرت عينا يوليا وامتلأتا بالدمع، وارتعش ذقنها، وسعلت بعصبية، ولكن لم تنبس بكلمة. أكملت: وقبيل رأس السنة كسرت فنجاناً وطبقاً، يخصم منك روبلان، الفنجان أغلى من ذلك فهو موروث، لكن يسامحك الله، علينا العوض. وبسبب إهمالك تسلق الولد الشجرة ومزق سترته، تخصم منك عشرة روبلات، وبسبب تقصيرك سرقت الخادمة حذاء الطفلة، من واجبك أن تراعي كل شئ، فأنت تتقاضين راتباً. وهكذا مضيت أعدد لها وأخصم وفي النهاية سلمتها أحد عشر روبلاً فقط، فتناولتها ووضعتها في جيبها بأصابع مرتعشة وهمست شكراً. إنتفضت واقفاً وأخذت أروح وأجئ، وقد استولى علي الغضب، سألتها: شكراً على ماذا؟ ردت: على النقود. قلت لها: يا إلهي، ولكنني نهبتك، وسلبتك، فعلام تقولين شكراً؟ ردعت بضعف: في أماكن أخرى لم يعطوني شيئاً. قلت لها بغضب: لم يعطوك شيئاً، ليس هذا غريباً، لقد مزحت معك، لقنتك درساً قاسياً، سأعطيك نقودك الثمانين روبلاً كلها، ها هي في المظروف جهزتها لك، ولكن، هل يمكن أن تكوني عاجزة إلى هذه الدرجة؟ لماذا لا تحتجين؟ لماذا تسكتين؟ هل يمكن أن تكوني مغفلة إلى هذه الدرجة؟ ابتسمت يوليا بعجز فقرأت على وجهها "يمكن". سألتها الصفح عن هذا الدرس وسلمتها لدهشتها البالغة راتبها كاملاً، فشكرتني بخجل وخرجت، وتطلعت في أثرها وهمست قائلاً: ((ما أسهل أن تكون قوياً في هذه الدنيا)).
للامانة منقول
الإثنين أبريل 28, 2008 12:24 am